الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة لحكمة تربية الولد, فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به الطفل ولذلك قلما تحيض المرضع فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له, فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك, ويقل ويطول شهر المرأة ويقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع وسمي حيضا من قولهم: حاض السيل قال عمارة بن عقيل: أجالت حصاهن الذواري وحيضت ** عليهن حيضات السيول الطواحم
وقد علق الشرع على الحيض أحكاما فمنها أنه يحرم وطء الحائض في الفرج, لقول الله تعالى: مسألة: قال [ وأقل الحيض: يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما] هذا الصحيح من مذهب أبي عبد الله وقال الخلال: مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه, أن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشر يوما وقيل عنه: أكثره سبعة عشر يوما وللشافعي قولان كالروايتين في أقله وأكثره وقال إسحاق بن راهويه: قال عطاء: الحيض يوم واحد وقال سعيد بن جبير: أكثره ثلاثة عشر يوما وقال الثوري, وأبو حنيفة وصاحباه: أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما روى واثلة بن الأسقع, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة) وقال أنس: قرء المرأة: ثلاث أربع خمس, ست سبع ثمان, تسع عشرة ولا يقول أنس ذلك إلا توقيفا وقال مالك بن أنس: ليس لأقله حد, يجوز أن يكون ساعة لأنه لو كان لأقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد ولنا أنه ورد في الشرع مطلقا من غير تحديد ولا حد له في اللغة, ولا في الشريعة فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة كما في القبض, والإحراز والتفرق وأشباهها, وقد وجد حيض معتاد يوما قال عطاء: رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر وقال أحمد: حدثني يحيى بن آدم, قال: سمعت شريكا يقول: عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا مستقيما وقال ابن المنذر: قال الأوزاعي: عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا يرون أنه حيض تدع له الصلاة وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وذكر إسحاق بن راهويه عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: تحيض امرأتي يومين قال إسحاق: وقالت امرأة من أهلنا معروفة: لم أفطر منذ عشرين سنة في شهر رمضان إلا يومين وقولهن يجب الرجوع إليه, لقوله تعالى: فصل: وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما لأن كلام أحمد لا يختلف أن العدة تصح أن تنقضي في شهر واحد إذا قامت به البينة وقال إسحاق: توقيت هؤلاء بالخمسة عشر باطل وقال أبو بكر: أقل الطهر مبني على أكثر الحيض فإن قلنا أكثره خمسة عشر يوما, فأقل الطهر خمسة عشر وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر وهذا كأنه بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوما, يجتمع لها فيه حيض وطهر وأما إذا زاد شهرها على ذلك تصور أن يكون حيضها سبعة عشر وطهرها خمسة عشر وأكثر وقال مالك, والثوري والشافعي وأبو حنيفة: أقل الطهر خمسة عشر وذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه, ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها, فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت فقال علي لشريح: قل فيها فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته, فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي: " قالون وهذا بالرومية ومعناه: جيد وهذا لا يقوله إلا توقيفا ولأنه قول صحابي انتشر, ولم نعلم خلافه رواه الإمام أحمد بإسناده ولا يجيء إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر, وأقل الحيض يوم وليلة وهذا في الطهر بين الحيضتين وأما الطهر في أثناء الحيضة فلا توقيت فيه فإن ابن عباس قال: أما ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وروي أن الطهر إذا كان أقل من يوم, لا يلتفت إليه لقول عائشة: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى فلا يثبت الطهر بمجرد انقطاعه كما لو انقطع أقل من ساعة.
مسألة: قال: [ فمن أطبق بها الدم فكانت ممن تميز فتعلم إقباله بأنه أسود ثخين منتن, وإدباره رقيق أحمر تركت الصلاة في إقباله فإذا أدبر, اغتسلت وتوضأت لكل صلاة وصلت] قوله: " طبق بها الدم " يعني امتد وتجاوز أكثر الحيض فهذه مستحاضة, قد اختلط حيضها باستحاضتها فتحتاج إلى معرفة الحيض من الاستحاضة لترتب على كل واحد منهما حكمه ولا تخلو من أربعة أحوال: مميزة لا عادة لها, ومعتادة لا تمييز لها ومن لها عادة وتمييز ومن لا عادة لها ولا تمييز أما المميزة: فهي التي ذكرها الخرقي في هذه المسألة, وهي التي لدمها إقبال وإدبار بعضه أسود ثخين منتن وبعضه أحمر مشرق, أو أصفر أو لا رائحة له ويكون الدم الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض, ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمان الدم الأسود أو الثخين أو المنتن فإن انقطع فهي مستحاضة, تغتسل للحيض وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة وتصلي, وذكر أحمد المستحاضة فقال: لها سنن وذكر المعتادة ثم قال: وسنة أخرى, إذا جاءت فزعمت أنها تستحاض فلا تطهر قيل لها: أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسينها ولكن انظري إلى إقبال الدم وإدباره, فإذا أقبلت الحيضة - وإقبالها أن ترى دما أسود يعرف - فإذا تغير دمها وكان إلى الصفرة والرقة فذلك دم استحاضة فاغتسلي, وصلي وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بالتمييز إنما الاعتبار بالعادة خاصة لما روت أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر, فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل) رواه أبو داود والنسائي, وابن ماجه وهو أحد الأحاديث الثلاثة التي قال الإمام أحمد: إن الحيض يدور عليها ولنا ما روت عائشة قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أستحاض, فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة, فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) متفق عليه وللنسائي وأبي داود: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف, فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق) وقال ابن عباس: أما ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة وقال: إنها والله لن ترى الدم الذي هو الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم وحديث أم سلمة إنما يدل على اعتبار العادة ولا نزاع فيه وحديث فاطمة هو أحد الثلاثة التي يدور عليها الحيض.
فصل: ظاهر كلام الخرقي أن المميزة إذا عرفت التمييز جلسته من غير اعتبار تكرار وهو ظاهر كلام أحمد فيما رويناه عنه وكذلك قال ابن عقيل لأن معنى التمييز أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة, وهذا يوجد بأول مرة وبهذا قال الشافعي وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي: إنما تجلس المميزة من التمييز ما تكرر مرتين أو ثلاثا بناء على الروايتين فيما تثبت به العادة ولنا, قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) أمرها بترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة من غير اعتبار أمر آخر, ثم مده إلى حين إدباره ولأن التمييز أمارة بمجرده فلم يحتج إلى ضم غيره إليه كالعادة, وعند القاضي: إنما تجلس من التمييز ما وافق العادة لأنه يعتبر التكرار ومتى تكرر صار عادة.
فصل: فإن لم يكن الأسود مختلفا مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود, ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض فالأسود وحده حيض ولو لم يعبر أكثر الحيض كان جميع الدم حيضا لأنه دم أمكن أن يكون حيضا, فكان حيضا كما لو كان كله أحمر وإن كان مختلفا مثل أن يرى في الشهر الأول خمسة أسود, وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو في الأول خمسة, وفي الثاني ستة وفي الثالث سبعة أو في الأول خمسة, وفي الثاني أربعة وفي الثالث ستة أو غير ذلك من الاختلاف فعلى قولنا الأسود حيض في كل حال, وعلى قول القاضي الأسود حيض فيما وافق العادة فقط وهو ثلاث في الأولى وخمس في الثانية, وأربع في الثالثة وما زاد عليه إن تكرر فهو حيض وإن لم يتكرر فليس بحيض وعلى قوله: لا تجلس منه في الشهر الأول والثاني إلا اليقين الذي تجلسه من لا تمييز لها, فإن كانت مبتدأة لم تجلس إلا يوما وليلة وهل تجلس الذي يتكرر في الشهر الثالث أو الرابع؟ ينبني على الروايتين فيما تثبت به العادة ويكون حكمها حكم المبتدأة التي ترى دما لا يعبر أكثر الحيض الأحمر ها هنا كالطهر هناك, والأسود كالدم هناك فإن كانت ناسية وكان الأسود في أثناء الشهر وقلنا إنها تجلس من أول الشهر, جلست ها هنا من أول الشهر ما تجلسه الناسية وإن كان أحمر ولا تنتقل إلى الأسود حتى يتكرر فإذا تكرر انتقلت إليه, وعلمنا أنه حيض فتقضي ما صامته من الفرض فيه.
فصل: فإذا رأت أسود بين أحمرين أو أحمر بين أسودين وانقطع لدون أكثر الحيض, فالجميع حيض إذا تكرر لأن الأحمر أشبه بالحيض من الطهر وإن عبر أكثر الحيض وكاد الأسود بمفرده يصلح أن يكون حيضا فهو حيض, والأحمر كله استحاضة لأن الأحمر الأول أشبه بالأحمر الثاني الذي حكمنا بأنه استحاضة وتلفق الأسود إلى الأسود فيكون حيضا ولا فرق بين كون الأسود قليلا أو كثيرا إذا كان بانضمامه إلى بقية الأسود يبلغ أقل الحيض, ولا يزيد على أكثره ولا يكون بين طرفيهما زمن يزيد على أكثر الحيض وكذلك لا فرق بين كون الأحمر قليلا أو كثيرا إذا كان زمنه يصلح أن يكون طهرا فأما إن كان زمنه لا يصلح أن يكون طهرا مثل الشيء اليسير أو ما دون اليوم, على إحدى الروايتين فإنه يلحق بالدمين الذي هو بينهما لأنه لو كان الدم منقطعا لم يحكم بكونه طهرا, فإذا كان الدم جاريا كان أولى فلو رأت يوما دما أسود ثم رأت الثاني دما أحمر, ثم رأت الثالث أسود ثم صار أحمر وعبر لفقت الأسود إلى الأسود, فصار حيضها يومين وباقي الدم استحاضة وإن رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر, ثم رأت الثاني كذلك ثم رأت الثالث كله أسود ثم صار أحمر وعبر, فإن قلنا إن الطهر يكون أقل من يوم لفقت الأسود إلى الأسود فكان حيضها يومين وإن قلنا لا يكون أقل من يوم فحيضها الأيام الثلاثة الأول, والباقي استحاضة وإن رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر وعبر إلى العاشر ثم رأته كله أسود, ثم صار أحمر وعبر فالأسود حيض كله, ونصف اليوم الأول ولو رأت بين الأسود وبين الأحمر نقاء يوما أو أكثر لم يتغير الحكم الذي ذكرناه لأن الأحمر محكوم بأنه استحاضة مع اتصاله بالأسود, فمع انفصاله عنه أولى.
فصل: إذا رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل, وفي الثاني كذلك ثم صار الثالث كله أحمر ثم رأت في الرابع مثل الأول, ثم رأت في الخامس خمسة أحمر ثم صار أسود واتصل فحيضها الأسود من الأول والثاني والرابع وأما الثالث والخامس فلا تمييز لها فيهما لأن حكم الأسود في الخامس سقط لعبوره فإن قلنا العادة تثبت بمرتين جلست ذلك من الأشهر الثلاثة, وهي الثالث والرابع والخامس وإن قلنا لا تثبت إلا بثلاثة جلست ذلك من الخامس لأنها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر وقيل: لا تثبت لها عادة, وتجلس ما تجلسه من الخامس من الدم الأسود لأنه أشبه بدم الحيض.
فصل: إذا رأت في كل شهر خمسة عشر يوما دما أسود وخمسة عشر أحمر فالأسود كله حيض لأنه يصلح أن يكون حيضا, وقد رأت فيه أمارة الحيض فيثبت كونه حيضا.
مسألة: قال [ فإن لم يكن دمها منفصلا وكانت لها أيام من الشهر تعرفها, أمسكت عن الصلاة فيها واغتسلت إذا جاوزتها] هذا القسم الثاني: وهي من لها عادة ولا تمييز لها لكون دمها غير منفصل أي على صفة لا تختلف ولا يتميز بعضه من بعض, على ما ذكرناه في المميزة وكذلك إن كان منفصلا إلا أن الدم الذي يصلح للحيض دون أقل الحيض أو فوق أكثره فهذه لا تمييز لها فإذا كانت لها عادة قبل أن تستحاض جلست أيام عادتها, واغتسلت عند انقضائها ثم تتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا اعتبار بالعادة, إنما الاعتبار بالتمييز فإن لم تكن مميزة استطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام إن لم تجاوز خمسة عشر يوما, وهي بعد ذلك مستحاضة واحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا حديث أم سلمة وقد روي في حديث فاطمة (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه وفي لفظ قال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة, فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي) متفق عليه وروت أم حبيبة أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدم؟ فقال لها (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي, وصلي) رواه مسلم وروى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في (المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل, وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة) أخرجه أبو داود والترمذي ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها.
فصل: ولا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة وقال بعضهم: تثبت بمرتين لأن المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ولأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه, ولنا أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل المعاودة بمرة واحدة والحديث حجة لنا لأنه قال (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها) " وكان " يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره, ولا يحصل ذلك بمرة ولا يقال لمن فعل شيئا مرة: كان يفعل وفي الحديث الآخر: (تدع الصلاة أيام أقرائها) والأقراء جمع وأقله ثلاثة وسائر الأحاديث الدالة على العادة تدل على هذا, ولا نفهم من اسم العادة فعل مرة بحال واختلفت الرواية: هل تثبت بمرتين أو ثلاث؟ فعنه أنها تثبت بمرتين لأنها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية وعنه لا تثبت إلا بثلاث لظاهر الأحاديث ولأن العادة لا تطلق إلا على ما كثر وأقله ثلاثة ولأن أكثر ما يعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا, كأيام الخيار في المصراة.
فصل: وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دما أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على الرواية الأخرى ثم صار, أحمر واتصل ثم صار في سائر الأشهر دما مبهما, كانت عادتها زمن الدم الأسود.
فصل: والعادة على ضربين: متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياما متساوية, كأربعة في كل شهر فإذا استحيضت جلست الأربعة فقط وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب, مثل إن كانت ترى في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة, ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة على ما كانت فهذه إذا استحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه, ثم على الذي بعده ثم على الذي بعده على العادة وإن نسيت نوبته حيضناها اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل, وتصلي بقية الشهر وإن أيقنت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث؟ جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة, ثم تجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا نوجب عليها الغسل بالشك, ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضا عند مضي أكثر عادتها لأن يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا تزول عن اليقين بالشك ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها في أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس وقد اشتبه عليها, وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج على العهدة بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وهذا الوجه أصح لما ذكرنا, وتفارق الناسية فإنها لا تعلم لها حيضا زائدا على ما جلسته وهذه تتيقن لها حيضا زائدا على ما جلسته تقف صحة صلاتها على غسلها منه, فوجب ذلك فعلى هذا يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر, وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لأن الصوم كان في ذمتها ولا نعلم أن اليومين اللذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها, فيبقى على الأصل ويحتمل أن يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال: غسل عقب اليوم الثالث وغسل عقب الرابع, وغسل عقب الخامس لأن عليها عقيب الرابع غسلا في أحد الأشهر وكل شهر يحتمل أن يكون هو الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس وإن كان الاختلاف على غير ترتيب, مثل أن تحيض من شهر ثلاثة ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة, وأشباه ذلك فإن كان هذا يمكن ضبطه ويعتادها على وجه لا يختلف فالحكم فيه كالذي قبله وإن كان غير مضبوط, جلست الأقل من كل شهر وهي الثلاثة إن لم يكن لها أقل منها واغتسلت عقيبه وذكر ابن عقيل في هذا الفصل, أن قياس المذهب أن فيه رواية ثانية وهي إجلاسها أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد, تجلس أكثر الحيض وهذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة وإسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها, فإننا متى أمرناها بترك الصلاة خمسة أيام في كل شهر ونحن نعلم وجوبها عليها في يومين منها في شهر, وفي يوم في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقينا فلا يحل ذلك ولا تسقط الصلاة الواجبة بالاشتباه, كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وفارق الناسية فإننا لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا, والأصل بقاء الحيض وسقوط الصلاة فتبقى عليه.
فصل: ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها, ووقت حيضها وطهرها وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما تحيض يوما, وتطهر ثلاثة عشر وإن قلنا: أقل الطهر خمسة عشر يوما فأقصر ما يكون الشهر ستة عشر يوما وأكثره لا حد له لكون أكثر الطهر لا حد له, والغالب أنه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت أن شهرها ثلاثون يوما وأن حيضها منه خمسة أيام, وطهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة, وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها, وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف أيام طهرها أو أيام طهرها ولم تعرف أيام حيضها فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها, رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددناها في عدد أيام الحيض إلى ست أو إلى سبع, لكونه الغالب.
فصل: القسم الثالث من أقسام المستحاضة: من لها عادة وتمييز وهي من كانت لها عادة فاستحيضت ودمها متميز بعضه أسود وبعضه أحمر فإن كان الأسود في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة, فيعمل بهما وإن كان أكثر من العادة أو أقل ويصلح أن يكون حيضا ففيه روايتان: إحداهما يقدم التمييز, فيعمل به وتدع العادة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله " فكانت ممن تميز تركت الصلاة في إقباله " ولم يفرق بين معتادة وغيرها واشترط في ردها إلى العادة أن لا يكون دمها متصلا, وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن صفة الدم أمارة قائمة به والعادة زمان منقض ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني وظاهر كلام أحمد اعتبار العادة وهو قول أكثر الأصحاب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد أم حبيبة, والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة ولم يفرق ولم يستفصل بين كونها مميزة أو غيرها وحديث فاطمة قد روي فيه ردها إلى العادة, وفي لفظ آخر ردها إلى التمييز فتعارضت روايتان وبقيت الأحاديث الباقية خالية عن معارض فيجب العمل بها على أن حديث فاطمة قضية عين, وحكاية حال يحتمل أنها أخبرته أنها لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها, أو قرينة حالها وحديث عدي بن ثابت عام في كل مستحاضة فيكون أولى ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها, واللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته فما لا تبطل دلالته أقوى وأولى.
فصل: ومن كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر, فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة أيام دما أسود في أول كل شهر فمن قدم العادة قال: تجلس خمسة في كل شهر, كما كانت تجلس قبل الاستحاضة ومن قدم التمييز جعل حيضها الثلاثة التي ترى الدم الأسود فيها إلا أنها لا تترك الصلاة في الشهر الأول فيما زاد على الثلاثة لأنا لا نعلم أنها مستحاضة إلا بتجاوز الدم أكثر الحيض ولا نعلم ذلك في الشهر الأول فإذا عبر الدم أكثر الحيض في الشهر الأول علمنا أنه استحاضة فلا تجلس في الثاني ما زاد على الدم الأسود فإن رأت في كل شهر عشرة دما أسود, ثم صار أحمر واتصل فمن قال: إنها لا تلتفت إلى ما زاد على العادة حتى تتكرر لم يحيضها في الشهرين الأولين أو الثلاثة إلا خمسة قدر عادتها ومن قال: إنها إذا زادت على العادة جلسته بأول مرة أجلسها في الشهر الأول خمسة عشر يوما, ثم تغتسل وتصلي وفي الثاني تجلس أيام العادة وهي الخمسة الأولى من الشهر عند من يقدم العادة على التمييز, ومن قدم التمييز لم يعتبر فيه التكرار أجلسها العشرة كلها فإذا تكرر ثلاثة أشهر على هذا الوصف فقال القاضي: تجلس العشرة في الشهر الرابع, على الروايتين جميعا لأن الزيادة على العادة تثبت بتكرر الأسود ويحتمل أن لا تجلس زيادة على عادتها على قول من يقدم العادة على التمييز لأنا لو جعلنا الزائد على العادة من التمييز حيضا بتكرره لجعلنا الناقص عنها استحاضة بتكرره فكانت لا تجلس فيما إذا رأت ثلاثة أسود ثم صار أحمر, أكثر من الثلاثة والأمر بخلاف ذلك
فصل: فإن كان حيضها خمسا من أول شهر فاستحيضت فصارت ترى خمسة أسود ثم يصير أحمر ويتصل, فالأسود حيض بلا خلاف لموافقته زمن العادة والتمييز وإن رأت مكان الأسود أحمر ثم صار أسود, وعبر سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض وكان حيضها الأحمر, لموافقته زمن العادة وإن رأت مكان العادة أحمر ثم خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل, فمن قدم العادة حيضها أيام العادة وإذا تكرر الأسود فقال القاضي: يصير حيضا وأما من يقدم التمييز, فإنه يجعل الأسود وحده حيضا.
مسألة: قال: [ فإن كانت لها أيام أنسيتها فإنها تقعد ستا أو سبعا في كل شهر] هذه من القسم الرابع من أقسام المستحاضة وهي من لا عادة لها ولا تمييز وهذا القسم نوعان: أحدهما الناسية, ولها ثلاثة أحوال: أحدها أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة والثانية أن تنسى عددها, وتذكر وقتها والثالثة أن تذكر عددها وتنسى وقتها فالناسية لهما, هي التي ذكر الخرقي حكمها وأنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة يكون ذلك حيضها, ثم تغتسل وهي فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلي وتطوف وعن أحمد أنها تجلس أقل الحيض, ثم إن كانت تعرف شهرها وهو مخالف للشهر المعروف جلست ذلك من شهرها, وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعروف لأنه الغالب وقال الشافعي في الناسية لهما: لا حيض لها بيقين وجميع زمنها مشكوك فيه, تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا يأتيها زوجها وله قول آخر, أنها تجلس اليقين وقال بعض أصحابه: الأول أصح لأن هذه لها أيام معروفة ولا يمكن ردها إلى غيرها فجميع زمانها مشكوك فيه, وقد روت عائشة (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرها أن تغتسل لكل صلاة) متفق عليه ولنا ما روت حمنة بنت جحش, قالت: كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله, إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة قال: (أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قلت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- سآمرك أمرين, أيهما صنعت أجزأ عنك فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام, أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة, أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي, كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا, ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح, فافعلي وصومي إن قويت على ذلك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أعجب الأمرين إلي) رواه أبو داود والترمذي, وقال هذا حديث حسن صحيح قال: وسألت محمدا عنه فقال: هو حديث حسن وحكي ذلك عن أحمد أيضا وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية؟ ولو افترق الحال لاستفصل وسأل واحتمال أن تكون ناسية أكثر, فإن حمنة امرأة كبيرة كذلك قال أحمد ولم يسألها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تمييزها لأنه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه, ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها؟ لاستغنائه عن ذلك لعلمه إياه إذ كان مشتهرا, وقد أمر به أختها أم حبيبة فلم يبق إلا أن تكون ناسية ولأن لها حيضا لا تعلم قدره فيرد إلى غالب عادات النساء كالمبتدأة ولأنها لا عادة لها ولا تمييز, فأشبهت المبتدأة وقولهم: لها أيام معروفة قلنا: قد زالت المعرفة فصار وجودها كالعدم وأما أمره أم حبيبة بالغسل لكل صلاة فإنما هو ندب, كأمره لحمنة في هذا الخبر فإن أم حبيبة كانت معتادة ردها إلى عادتها وهي لها أم سلمة, على أن حديث أم حبيبة إنما روي عن الزهري وأنكره الليث بن سعد فقال: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة, ولكنه شيء فعلته هي.
فصل: قوله: " ستا أو سبعا " الظاهر أنه ردها إلى اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ذكره القاضي في بعض المواضع, وذكر في موضع آخر أنه خيرها بين ست وسبع لا على طريق الاجتهاد كما خير واطئ الحائض بين التكفير بدينار أو نصف دينار, بدليل أن حرف " أو " للتخيير والأول إن شاء الله أصح لأنا لو جعلناها مخيرة أفضى إلى تخييرها في اليوم السابع بين أن تكون الصلاة عليها واجبة وبين كونها محرمة وليس لها في ذلك خيرة بحال أما التكفير ففعل اختياري يمكن التخيير فيه بين إخراج دينار أو نصف دينار, والواجب نصف دينار في الحالين لأن الواجب لا يتخير بين فعله وتركه وقولهم: إن " أو " للتخيير قلنا: وقد يكون للاجتهاد كقول الله تعالى فصل: ولا تخلو الناسية من أن تكون جاهلة بشهرها, أو عالمة به فإن كانت جاهلة بشهرها رددناها إلى الشهر الهلالي, فحيضناها في كل شهر حيضة لحديث حمنة ولأنه الغالب فترد إليه كردها إلى الست والسبع وإن كانت عالمة بشهرها, حيضناها في كل شهر من شهورها حيضة لأن ذلك عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها في عدد الأيام, إلا أنها متى كان شهرها أقل من عشرين يوما لم نحيضها منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر يوما لأنها لو حاضت أكثر من ذلك, لنقص طهرها عن أقل الطهر ولا سبيل إليه وهل تجلس أيام حيضها من أول كل شهر أو بالتحري والاجتهاد؟ فيه وجهان: أحدهما, تجلسه من أول كل شهر إذا كان يحتمل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لحمنة (تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله, ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها) فقدم حيضها على الطهر ثم أمرها بالصلاة والصوم في بقيته ولأن المبتدأة تجلس من أول الشهر, مع أنه لا عادة لها فكذلك الناسية ولأن دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة, فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض والوجه الثاني أنها تجلس أيامها من الشهر بالتحري والاجتهاد وهذا قول أبي بكر, وابن أبي موسى لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردها إلى اجتهادها في القدر بقوله: " ستا أو سبعا " فكذلك في الزمان ولأن للتحري مدخلا في الحيض بدليل أن المميزة ترجع إلى صفة الدم فكذلك في زمنه فإن تساوى عندها الزمان كله, ولم يغلب على ظنها شيء تعين إجلاسها من أول الشهر لعدم الدليل فيما سواه. القسم الثاني الناسية لعددها دون وقتها, كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر ولا تعلم عدده فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة, تجلس ستا أو سبعا في أصح الروايتين إلا أنها تجلسها من العشر دون غيرها, وهل تجلسها من أول العشر أو بالتحري؟ على وجهين وإن قالت: أعلم أنني كنت أول الشهر حائضا ولا أعلم آخره أو إنني كنت آخر الشهر حائضا ولا أعلم أوله أو لا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره؟ حيضناها اليوم الذي علمته, وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى ومما قبله في الثانية وبالتحري في الثالثة, أو مما يلي أول الشهر على اختلاف الوجهين. القسم الثالث الناسية لوقتها دون عددها, وهذه تتنوع نوعين: أحدهما أن لا تعلم لها وقتا أصلا مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام, فإنها تجلس خمسة من كل شهر إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين والثاني, أن تعلم لها وقتا مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الأول من كل شهر فإنها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره, ثم لا يخلو عدد أيامها إما أن يكون زائدا على نصف ذلك الوقت أو لا يزيد فإن كان زائدا على نصفه, مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول من كل شهر أضعفنا الزائد فجعلناه حيضا بيقين, وتجلس بقية أيامها بالتحري في أحد الوجهين وفي الآخر من أول العشر ففي هذه المسألة الزائد يوم وهو السادس, فنضعفه ويكون الخامس والسادس حيضا بيقين لأننا متى عددنا لها ستة أيام من أي موضع كان من العشر دخل فيه الخامس والسادس يبقى لها أربعة أيام, فإن أجلسناها من الأول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس منها يومان حيض بيقين, والأربعة حيض مشكوك فيه والأربعة الباقية طهر مشكوك فيه وإن أجلسناها بالتحري, فأداها اجتهادها إلى أنها من أول الشهر فهي كالتي ذكرنا وإن جلست الأربعة من آخر الشهر كانت حيضا مشكوكا فيه, والأربعة الأولى طهر مشكوك فيه وإن قالت: حيضي سبعة أيام من العشر الأول فقد زادت يومين على نصف الوقت فنضعفهما فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين, وهي من أول الرابع إلى آخر السابع ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشر أو بالتحري, فيكون ذلك حيضا مشكوكا فيه ويبقى لها ثلاثة طهرا مشكوكا فيه, وسائر الشهر طهر وحكم الحيض المشكوك فيه حكم الحيض المتيقن في ترك العبادات وإن كان حيضها نصف الوقت فما دون, فليس لها حيض بيقين لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام احتمل أن تكون الخمسة الأولى وأن تكون الثانية, وأن تكون بعضها من الأولى وباقيها من الثانية فتجلس خمسة بالتحري أو من أول العشر, على اختلاف الوجهين.
فصل: ولا يعتبر التكرار في الناسية لأنها عرفت استحاضتها في الشهر الأول فلا معنى للتكرار.
فصل: وإذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها في غيره رجعت إلى عادتها لأن تركها لعارض النسيان, فإذا زال العارض عادت إلى الأصل وإن تبين أنها كانت تركت الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها ويلزمها قضاء ما صامته من الفرض في عادتها, فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر العشر الأول فجلست السبعة التي قبلها مدة ثم ذكرت, لزمها قضاء ما تركت من الصلاة والصيام المفروض في السبعة وقضاء ما صامت من الفرض في الثلاثة لأنها صامته في زمن حيضها.
مسألة: قال: [ والمبتدأ بها الدم تحتاط فتجلس يوما وليلة, وتغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي فإن انقطع دمها في خمسة عشر يوما اغتسلت عند انقطاعه وتفعل مثل ذلك ثانية وثالثة فإن كان بمعنى واحد, عملت عليه وأعادت الصوم إن كانت صامت في هذه الثلاث مرار لفرض] هذا النوع الثاني من القسم الرابع وهي من لا عادة لها ولا تمييز وهي التي بدأ بها الحيض ولم تكن حاضت قبله والمشهور عن أحمد فيها أنها تجلس إذا رأت الدم, وهي ممن يمكن أن تحيض وهي التي لها تسع سنين فصاعدا فتترك الصوم والصلاة فإن زاد الدم على يوم وليلة اغتسلت عقيب اليوم والليلة, وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم فإن انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون, اغتسلت غسلا ثانيا عند انقطاعه وصنعت مثل ذلك في الشهر الثاني والثالث فإن كانت أيام الدم في الأشهر الثلاثة متساوية, صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت حيضا فيجب عليها قضاء ما صامت من الفرض لأنا تبينا أنها صامته في زمن الحيض قال القاضي: المذهب عندي في هذا رواية واحدة قال: وأصحابنا يجعلون في قدر ما تجلسه المبتدأة في الشهر الأول أربع روايات: إحداهن أنها تجلس أقل الحيض والثانية غالبه, والثالثة أكثره والرابعة عادة نسائها قال: وليس ها هنا موضع الروايات وإنما موضع ذلك إذا اتصل الدم, وحصلت مستحاضة في الشهر الرابع وقد نقل عن أحمد ما يدل على صحة قول الأصحاب فروى صالح قال: قال أبي: أول ما يبدأ الدم بالمرأة تقعد ستة أيام أو سبعة أيام وهو أكثر ما تجلسه النساء على حديث حمنة فظاهر هذا أنها تجلس ذلك في أول حيضها وقوله: أكثر ما تجلسه النساء يعني أن الغالب من النساء هكذا يحضن وروى حرب عنه قال: سألت أبا عبد الله قلت: امرأة أول ما حاضت استمر بها الدم, كم يوما تجلس؟ قال: إن كان مثلها من النساء من يحضن فإن شاءت جلست ستا أو سبعا حتى يتبين لها حيض ووقت وإن أرادت الاحتياط, جلست يوما واحدا أول مرة حتى يتبين وقتها وقال في موضع آخر: قالوا هذا وقالوا هذا, فأيها أخذت فهو جائز وروى الخلال بإسناده عن عطاء في البكر تستحاض ولا تعلم لها قرءا, قال: لتنظر قرء أمها أو أختها أو عمتها أو خالتها فلتترك الصلاة عدة تلك الأيام وتغتسل وتصلي قال حنبل قال أبو عبد الله: ها حسن واستحسنه جدا وهذا يدل على أنه أخذ به, وهذا قول عطاء والثوري والأوزاعي وروي عن أحمد: أنها تجلس أكثر الحيض إلا أن المشهور في الرواية عنه مثل ما ذكر الخرقي وقال مالك وأبو حنيفة, والشافعي: تجلس جميع الأيام التي ترى الدم فيها إلى أكثر الحيض فإن انقطع لأكثره فما دون فالجميع حيض لأنا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض مع جواز أن يكون استحاضة, فكذلك أثناؤه ولأننا حكمنا بكونه حيضا فلا ننقض ما حكمنا به بالتجويز كما في المعتادة ولأن دم الحيض دم جبلة, والاستحاضة دم عارض لمرض عرض وعرق انقطع والأصل فيها الصحة والسلامة وأن دمها دم الجبلة دون العلة ولنا, أن في إجلاسها أكثر من أقل الحيض حكما ببراءة ذمتها من عبادة واجبة عليها فلم يحكم به أول مرة كالمعتدة لا يحكم ببراءة ذمتها من العدة بأول حيضة ولا يلزم اليوم والليلة لأنها اليقين, فلو لم نجلسها ذلك أدى إلى أن لا نجلسها أصلا ولأنها ممن لا عادة لها ولا تمييز فلم تجلس أكثر الحيض كالناسية.
فصل: والمنصوص في المبتدأة اعتبار التكرار ثلاثا, فعلى هذا لا تنتقل عن اليقين في الشهر الثالث وقد نص في المعتادة ترى الدم زيادة على عادتها على جلوسها الزائد بمرتين في إحدى الروايتين عنه, فكذا ها هنا وقد مضى توجيههما وعلى الروايات كلها إذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون, وكان في الأشهر الثلاثة على قدر واحد انتقلت إليه وعملت عليه, وصار ذلك عادة لها وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها.
فصل: وإن انقطع في الأشهر الثلاثة مختلفا ففي شهر انقطع على سبع, وفي شهر على ست وفي شهر على خمس نظرت إلى أقل ذلك, وهو الخمس فجعلته حيضا وما زاد عليه لا يكون حيضا, حتى يأتي عليه التكرار نص عليه وإن جاء في الشهر الرابع ستا أو أكثر صارت الستة حيضا لتكررها ثلاثا, وكذلك الحكم في السابع إذا تكرر ثلاثا ومن قال بإجلاسها ستا أو سبعا فإنها تجلس ذلك من غير تكرار ولا تجلس ما زاد عليه حتى يتكرر, ولذلك من أجلسها عادة نسائها فإنه يجلسها ما وافق عادتهن من غير تكرار.
فصل: ومتى أجلسناها يوما وليلة, أو ستا أو سبعا أو عادة نسائها فرأت الدم أكثر من ذلك, لم يحل لزوجها وطؤها فيه حتى ينقطع أو يتجاوز أكثر الحيض لأنه يحتمل أن يكون حيضا احتمالا ظاهرا وإنما أمرناها بالصوم فيه والصلاة احتياطا لبراءة ذمتها, فيجب ترك وطئها احتياطا أيضا وإن انقطع الدم واغتسلت حل وطؤها وهل يكره؟ على روايتين: إحداهما, لا يكره لأنها رأت النقاء الخالص أشبه غير المبتدأة والثانية يكره لأننا لا نأمن معاودة الدم, فكره وطؤها كالنفساء إذا انقطع دمها لأقل من أربعين يوما فإن عاودها الدم في زمن العادة لم يطأها, نص عليه لأنه زمن صادف زمن الحيض فلم يجز الوطء فيه كما لو لم ينقطع وعنه: لا بأس بوطئها قال الخلال الأحوط في قوله على ما اتفقوا عليه دون الأنفس الثلاثة, أنه لا يطؤها.
مسألة: قال: [ فإن استمر بها الدم ولم يتميز قعدت في كل شهر ستا أو سبعا لأن الغالب من النساء هكذا يحضن] قوله: " استمر بها الدم " يعني زاد على أكثر الحيض وقوله: " لم يتميز " يعني لم يكن دمها منفصلا على الوجه الذي ذكرناه فهذه حكمها أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد ذكر الخرقي علته, وهي أن الغالب من النساء هكذا يحضن والظاهر أن حيض هذه كحيض غالب النساء فيجب ردها إليه كردها في الوقت إلى حيضة في كل شهر وهذا أحد قولي الشافعي, وعن أحمد أنها تجلس يوما وليلة من كل شهر وهذا القول الثاني للشافعي لأن ذلك اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه فلا تزول عن اليقين بالشك وعنه رواية ثالثة: أنها تجلس أكثر الحيض وهو مذهب أبي حنيفة لأنه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته, كالمعتادة وعنه أنها تجلس عادة نسائها وهو قول عطاء والثوري, والأوزاعي لأن الغالب أنها تشبههن في عادتهن والأول أولى لحديث حمنة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردها إلى ست أو سبع ولم يردها إلى اليقين, ولا إلى عادة نسائها ولا إلى أكثر الحيض ولأن هذه ترد إلى غالب عادات النساء في وقتها لكونها تجلس في كل شهر مرة فكذلك في عدد أيامها وبهذا يبطل ما ذكرناه لليقين ولعادة نسائها.
فصل: وهل ترد إلى ذلك إذا استمر بها الدم في الشهر الرابع أو الثاني؟ المنصوص أنها لا ترد إلى ست أو سبع إلا في الشهر الرابع لأنا لم نحيضها أكثر من ذلك إذا لم تكن مستحاضة فأولى أن نفعل ذلك إذا كانت مستحاضة قال القاضي: ويحتمل أن تنتقل إليها في الشهر الثاني بغير تكرار لأننا قد علمنا استحاضتها, فلا معنى للتكرار في حقها.
فصل: وإن كانت التي استمر بها الدم مميزة على ما ذكرناه فيما مضى جلست بالتمييز فيما بعد الأشهر الثلاثة وتجلس في الثلاثة اليقين يوما وليلة, إلا أن نقول: العادة تثبت بمرتين فإنها تعود إلى التمييز في الشهر الثالث ويعمل به وقال ابن عقيل: وعن أحمد أنها ترد إلى التمييز في الشهر الثاني, ولا يعتبر التكرار فإنه قال: إذا بدأ بها الحيض ولم ينقطع عنها الدم, ولم تعرف أيامها قعدت إقبال الدم إذا أقبل سواده وغلظه وريحه فإذا أدبر وصفا وذهب ريحه صلت وصامت وذلك لأنها مستحاضة مميزة, فترد إلى تمييزها كما في الشهر الرابع ولا يعتبر التكرار في التمييز بعد أن تعلم كونها مستحاضة, على ما نصرناه وقال القاضي: لا تجلس منه إلا ما تكرر فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر واتصل جلست زمان الأسود, فكان حيضها والباقي استحاضة وهل تجلس زمان الأسود في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع؟ يخرج ذلك على الروايات الثلاث ولو رأت عشرة أحمر ثم خمسة أسود, ثم أحمر واتصل فالحكم فيها كالتي قبلها فإن اتصل الأسود, وعبر أكثر الحيض فليس لها تمييز ونحيضها من الأسود لأنه أشبه بدم الحيض ولو رأت أقل من يوم دما أسود, فلا تمييز لها لأن الأسود لا يصلح أن يكون حيضا لقلته عن أقل الحيض وإن رأت في الشهر الأول أحمر كله وفي الثاني والثالث والرابع خمسة أسود, ثم أحمر واتصل وفي الخامس كله أحمر فإنها تجلس في الأشهر الثلاثة اليقين, وفي الرابع أيام الدم الأسود وفي الخامس تجلس خمسة أيضا لأنها قد صارت معتادة وقال القاضي: لا تجلس من الرابع إلا اليقين إلا أن نقول بثبوت العادة بمرتين وهذا فيه نظر فإن أكثر ما يقدر فيها أنها لا عادة لها ولا تمييز, ولو كانت كذلك لجلست ستا أو سبعا في أصح الروايات, فكذا ها هنا ومن لم يعتبر التكرار في التمييز فهذه مميزة ومن قال إن المميزة تجلس بالتمييز في الشهر الثاني قال إنها تجلس الدم الأسود في الشهر الثالث لأنها لا تعلم أنها مميزة قبله, ولو رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل وفي الثاني كذلك, وفي الثالث كله أحمر والرابع رأت خمسة أحمر ثم صار أسود واتصل, جلست اليقين من الأشهر الثلاثة والرابع لا تمييز لها فيه فتصير فيه إلى ستة أيام أو سبعة, في أشهر الروايات إلا أن نقول العادة تثبت بمرتين فتجلس من الثالث والرابع خمسة خمسة وقال القاضي: لا تجلس في الأشهر الأربعة إلا اليقين, وهذا بعيد لما ذكرناه ولو كانت رأت في الرابع خمسة أسود والباقي كله أحمر صار عادة بذلك.
مسألة: قال: [ والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض] يعني إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة, فهو حيض وإن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به نص عليه أحمد وبه قال يحيى الأنصاري, وربيعة ومالك والثوري, والأوزاعي وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي, وإسحاق وقال أبو يوسف وأبو ثور: لا يكون حيضا إلا أن يتقدمه دم أسود لأن أم عطية, وكانت بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل شيئا رواه أبو داود وقال: بعد الطهر ولنا قوله تعالى: فصل: وحكم الصفرة والكدرة حكم الدم العبيط في أنها في أيام الحيض حيض وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها وإن رأتها فيما بعد العادة فهو كما لو رأت غيرها على ما سيأتي ذكره, إن شاء الله وإن طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة لم يلتفت إليها لخبر أم عطية وعائشة وقد روى النجاد, بإسناده عن محمد بن إسحاق عن فاطمة, عن أسماء قالت: كنا في حجرها مع بنات بنتها فكانت إحدانا تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة, فنسألها فتقول: اعتزلن الصلاة حتى لا ترين إلا البياض خالصا والأول أولى لما ذكرنا, وقول عائشة وأم عطية أولى من قول أسماء وقال القاضي: معنى هذا أنها لا تلتفت إليه قبل التكرار وقول أسماء فيما إذا تكرر فجمع بين الأخبار والله أعلم.
مسألة: قال: [ ويستمتع من الحائض بما دون الفرج] وجملته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع, والوطء في الفرج محرم بهما واختلف في الاستمتاع بما بينهما فذهب أحمد -رحمه الله- إلى إباحته وروي ذلك عن عكرمة وعطاء, والشعبي والثوري وإسحاق, ونحوه قال الحكم فإنه قال: لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله وقال أبو حنيفة ومالك, والشافعي: لا يباح لما روي عن عائشة قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض) رواه البخاري وعن عمر قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال: فوق الإزار) ولنا قول الله تعالى: فصل: فإن وطئ الحائض في الفرج أثم ويستغفر الله تعالى, وفي الكفارة روايتان: إحداهما يجب عليه كفارة لما روى أبو داود والنسائي, بإسنادهما عن ابن عباس (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار أو بنصف دينار) والثانية لا كفارة عليه, وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أتى كاهنا فصدقه بما قال, أو أتى امرأته في دبرها أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-) رواه ابن ماجه, ولم يذكر كفارة ولأنه وطء نهي عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء في الدبر وللشافعي قولان كالروايتين وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقد قيل لأحمد: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم لأنه من حديث فلان أظنه قال: عبد الحميد وقال: لو صح ذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كنا نرى عليه الكفارة وقال في موضع: ليس به بأس, وقد روى الناس عنه فاختلاف الرواية في الكفارة مبني على اختلاف قول أحمد في الحديث وقد روي عن أحمد أنه قال: إن كانت له مقدرة تصدق بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال أبو عبد الله بن حامد كفارة وطء الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطء في رمضان.
فصل: وفي قدر الكفارة روايتان: إحداهما, أنها دينار أو نصف دينار على سبيل التخيير, أيهما أخرج أجزأه روي ذلك عن ابن عباس والثانية, أن الدم إن كان أحمر فهي دينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق, وقال النخعي: إن كان في فور الدم فدينار وإن كان في آخره فنصف دينار لما روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن كان دما أحمر فدينار, وإن كان دما أصفر فنصف دينار) رواه الترمذي والأول أصح قال أبو داود الرواية الصحيحة: " يتصدق بدينار أو بنصف دينار " ولأنه حكم تعلق بالحيض فلم يفرق بين أوله وآخره كسائر أحكامه فإن قيل: فكيف تخير بين شيء ونصفه؟ قلنا: كما يخير المسافر بين قصر الصلاة وإتمامها, فأيهما فعل كان واجبا كذا ها هنا.
فصل: وإن وطئ بعد طهرها وقبل غسلها فلا كفارة عليه وقال قتادة, والأوزاعي: عليه نصف دينار ولو وطئ في حال جريان الدم لزمه دينار لأنه حكم تعلق بالوطء في الحيض فثبت قبل الغسل, كالتحريم ولنا أن وجوب الكفارة بالشرع وإنما ورد بها الخبر في الحائض وغيرها لا يساويها لأن الأذى المانع من وطئها قد زال بانقطاع الدم, وما ذكروه يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضا فإن الكفارة تجب بالوطء في الحيض ولا تجب في غيره.
فصل: وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي؟ على وجهين: أحدهما, تجب لعموم الخبر ولأنها كفارة تجب بالوطء أشبهت كفارة الوطء في الصوم والإحرام والثاني لا تجب لقوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان) ولأنها تجب لمحو المأثم, فلا تجب مع النسيان ككفارة اليمين فعلى هذا لو وطئ طاهرا, فحاضت في أثناء وطئه لا كفارة عليه وعلى الرواية الأولى عليه كفارة وهو قول ابن حامد, قال: ولو وطئ الصبي لزمته الكفارة لعموم الخبر وقياسا على كفارة الإحرام ويحتمل أن لا يلزمه كفارة لأن أحكام التكليف لا تثبت في حقه, وهذا من فروعها فلا تثبت.
فصل: وهل تلزم المرأة كفارة؟ المنصوص أن عليها الكفارة قال أحمد في امرأة غرت زوجها: إن عليه الكفارة وعليها وذلك لأنه وطء يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة المطاوعة, ككفارة الوطء في الإحرام وقال القاضي: في وجوبها على المرأة وجهان: أحدهما لا يجب لأن الشرع لم يرد بإيجابها عليها وإنما يتلقى الوجوب من الشرع وإن كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها, لقوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
فصل: والنفساء كالحائض في هذا لأنها تساويها في سائر أحكامها ويجزئ نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافيا من الغش, ويستوي تبره ومضروبه لوقوع الاسم عليه وهل يجوز إخراج قيمته؟ فيه وجهان: أحدهما يجوز لأن المقصود يحصل بإخراج هذا القدر من المال, على أي صفة كان من المال فجاز بأي مال كان كالخراج والجزية والثاني, لا يجوز لأنه كفارة فاختص ببعض أنواع المال كسائر الكفارات, فعلى هذا الوجه هل يجوز إخراج الدراهم مكان الدينار فيه وجهان بناء على إخراجها عنه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا ولأنه حق يجزئ فيه أحد الثمنين, فأجزأ فيه الآخر كسائر الحقوق ومصرف هذه الكفارة إلى مصرف سائر الكفارات لكونها كفارة ولأن المساكين مصرف حقوق الله تعالى وهذا منها.
مسألة: قال: [ فإن انقطع دمها, فلا توطأ حتى تغتسل] وجملته أن وطء الحائض قبل الغسل حرام وإن انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر: هذا كالإجماع منهم وقال أحمد بن محمد المروذي: لا أعلم في هذا خلافا وقال أبو حنيفة: إن انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها, وإن انقطع لدون ذلك لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم, أو يمضي عليها وقت صلاة لأن وجوب الغسل لا يمنع من الوطء بالجنابة ولنا قول الله تعالى: مسألة: قال: [ ولا توطأ مستحاضة إلا أن يخاف على نفسه] اختلف عن أحمد -رحمه الله- في وطء المستحاضة, فروي ليس له وطؤها إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور وهو مذهب ابن سيرين والشعبي والنخعي, والحاكم لما روى الخلال بإسناده عن عائشة أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى, فيحرم وطؤها كالحائض فإن الله تعالى منع وطء الحائض معللا بالأذى بقوله: مسألة: قال: [ والمبتلى بسلس البول وكثرة المذي فلا ينقطع, كالمستحاضة يتوضأ لكل صلاة بعد أن يغسل فرجه] وجملته أن المستحاضة, ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته, عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه, ليرد الدم (لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم فإن لم يرتد الدم بالقطن, استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج) وهو المذكور في حديث أم سلمة " لتستثفر بثوب وقال لحمنة " تلجمي " لما قالت: إنه أكثر من ذلك فإذا فعلت ذلك ثم خرج الدم, فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك, لم تبطل الطهارة لأنه لا يمكن التحرز منه فتصلي ولو قطر الدم قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه, فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي) رواه البخاري وفي حديث: (صلى وإن قطر الدم على الحصير) وكذلك من به سلس البول أو كثرة المذي, يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسب ما يمكنه ويفعل ما ذكر وكذلك من به جرح يفور منه الدم, أو به ريح أو نحو ذلك من الأحداث ممن لا يمكنه قطعه عن نفسه فإن كان مما لا يمكن عصبه, مثل من به جرح لا يمكن شده أو به باسور أو ناصور لا يتمكن من عصبه صلى على حسب حاله, كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه حين طعن صلى وجرحه يثعب دما.
فصل: ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن يخرج منه شيء وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة وربيعة واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فإن آذاه قال: فأرجو أن لا يكون عليه ضيق في ترك الوضوء واحتجوا بأن في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (فاغتسلي وصلي) ولم يأمرها بالوضوء ولأنه ليس بمنصوص على الوضوء منه ولا في معنى المنصوص لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد وليس هذا بمعتاد, ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في (المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل, وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة) رواه أبو داود والترمذي, وعن عائشة قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت خبرها ثم قال: اغتسلي, ثم توضئي لكل صلاة وصلي) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ولأنه خارج من السبيل, فنقض الوضوء كالمذي إذا ثبت هذا فإن طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت لقوله: " تتوضأ عند كل صلاة " وقوله: " ثم توضئي لكل صلاة " ولأنها طهارة عذر وضرورة, فتقيدت بالوقت كالتيمم.
فصل: فإن توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت وخرج منه شيء, بطلت طهارته لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه وخروج الوقت مبطل لهذه الطهارة كما قررناه ولأن الحدث مبطل للطهارة, وإنما عفي عنه لعدم إمكان التحرز عنه مع الحاجة إلى الطهارة وإن توضأ بعد الوقت صح وارتفع حدثه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه فإن دخل في الصلاة عقيب طهارته, أو أخرها لأمر يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة, أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز وإن أخرها لغير ذلك ففيه وجهان: أحدهما, الجواز لأنها طهارة أريدت للصلاة بعد دخول وقتها فأشبهت التيمم ولأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت, كالتيمم والثاني لا يجوز لأنه إنما أبيح له الصلاة بهذه الطهارة مع قيام الحدث للحاجة والضرورة ولا ضرورة ها هنا وإن خرج الوقت بعد أن خرج منها شيء, أو أحدثت حدثا سوى هذا الخارج بطلت الطهارة قال أحمد في رواية أحمد بن القاسم: إنما أمرها أن تتوضأ لكل صلاة, فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتتوضأ أيضا وهذا يقتضي إلحاقها بالتيمم, في أنها باقية ببقاء الوقت يجوز لها أن تتطوع بها وتقضي بها الفوائت, وتجمع بين الصلاتين ما لم تحدث حدثا آخر أو يخرج الوقت.
فصل: ويجوز للمستحاضة الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لأن (النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر حمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد, وأمر به سهلة بنت سهيل) وغير المستحاضة من أهل الأعذار مقيس عليها وملحق بها.
فصل: إذا توضأت المستحاضة, ثم انقطع دمها فإن تبين أنه انقطع لبرئها باتصال الانقطاع تبينا أن وضوءها بطل بانقطاعه لأن الحدث الخارج مبطل للطهارة عفي عنه للعذر, فإذا زال العذر زالت الضرورة فظهر حكم الحدث وإن عاد الدم فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الانقطاع قال أحمد بن القاسم: سألت أبا عبد الله فقلت: إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير, ويوقتون بوقت يقولون: إذا توضأت للصلاة وقد انقطع الدم ثم سال بعد ذلك قبل أن تدخل في الصلاة, تعيد الوضوء ويقولون: إذا كان الدم سائلا فتوضأت ثم انقطع الدم, قولا آخر قال: لست أنظر في انقطاعه حين توضأت سال أم لم يسل إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة, حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل فالتفصيل يخالف مقتضى الخبر ولأن اعتبار هذا يشق, والعادة في المستحاضة وأصحاب هذه الأعذار أن الخارج يجري وينقطع واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه يشق وإيجاب الوضوء به حرج لم يرد الشرع به, ولا سأل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- المستحاضة التي استفتته فيدل ذلك ظاهرا على عدم اعتباره مع قول الله تعالى: فصل: فإن كانت لها عادة بانقطاع الدم زمنا لا يتسع للطهارة والصلاة فتوضأت, ثم انقطع دمها لم يحكم ببطلان طهارتها ولا صلاتها, إن كانت فيها لأن هذا الانقطاع لا يفيد المقصود وإن اتصل الانقطاع وبرأت وكان قد جرى منها دم بعد الوضوء بطلت طهارتها والصلاة لأنا تبينا أنها صارت في حكم الطاهرات بذلك الانقطاع وإن اتصل زمنا يتسع للطهارة والصلاة, فالحكم فيها كالحكم في التي لم يجر لها عادة بانقطاعه على ما ذكر فيه وإن كانت لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للطهارة والصلاة لم تصل حال جريان الدم وتنتظر إمساكه, إلا أن تخشى خروج الوقت فتتوضأ وتصلي فإن شرعت في الصلاة في آخر الوقت بهذه الطهارة فأمسك الدم عنها, بطلت طهارتها لأنها أمكنتها الصلاة بطهارة غير ضرورية فلم تصح صلاتها بغيرها كغير المستحاضة وإن كان زمن إمساكه يختلف, فتارة يتسع وتارة لا يتسع فهي كالتي قبلها إلا أن تعلم أن انقطاعه في هذا الوقت لا يتسع ويحتمل أنها إذا شرعت في الصلاة, ثم انقطع الدم لا تبطل صلاتها لأنها شرعت فيها بطهارة يقينية وانقطاع الدم يحتمل أن يكون متسعا, فتبطل ويحتمل أن يكون ضيقا فلا تبطل, ولا يزول اليقين بالشك فإن اتصل الانقطاع تبينا أنه كان مبطلا فبطلت الطهارة والصلاة به.
مسألة: قال: [ وأكثر النفاس أربعون يوما] هذا قول أكثر أهل العلم قال أبو عيسى الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك, فتغتسل وتصلي وقال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس وروي هذا عن عمر وابن عباس, وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال الثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك والشافعي: أكثره ستون يوما وحكى ابن عقيل, عن أحمد رواية مثل قولهما لأنه روى عن الأوزاعي أنه قال: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين وروي مثل ذلك عن عطاء أنه وجده والمرجع في ذلك إلى الوجود قال الشافعي غالبه أربعون يوما ولنا ما روى أبو سهل كثير بن زياد, عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما وأربعين ليلة) رواه أبو داود والترمذي, وقال: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل وهو ثقة قال الخطابي: أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث وروى الحكم بن عتيبة عن مسة, عن أم سلمة (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها سألته: كم تجلس المرأة إذا ولدت قال: أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) رواه الدارقطني ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم, فكان إجماعا وقد حكاه الترمذي إجماعا ونحوه حكى أبو عبيد, وما حكوه عن الأوزاعي يحتمل أن الزيادة كانت حيضا أو استحاضة كما لو زاد دمها عن الستين, أو كما لو زاد دم الحائض على خمسة عشر يوما.
مسألة: قال: [ وليس لأقله حد أي وقت رأت الطهر اغتسلت وهي طاهر, ولا يقربها زوجها في الفرج حتى تتم الأربعين استحبابا] وبهذا قال الثوري والشافعي وقال مالك والأوزاعي, وأبو عبيد: إذا لم تر دما تغتسل وتصلي وقال محمد بن الحسن وأبو ثور: أقله ساعة وقال أبو عبيد: أقله خمسة وعشرون يوما ولنا أنه لم يرد في الشرع تحديده, فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلا وكثيرا وقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم تر دما, فسميت ذات الجفوف قال أبو داود: ذاكرت أبا عبد الله حديث جرير: كانت امرأة تسمى الطاهر تضع أول النهار وتطهر آخره فجعل يعجب منه وقال علي رضي الله عنه لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي ولأن اليسير دم وجد عقيب سببه وهو الولادة فيكون نفاسا كالكثير, وقد روي عن أحمد أنها إذا رأت النقاء لدون اليوم لا تثبت لها أحكام الطاهرات قال يعقوب: سألت أبا عبد الله عن المرأة إذا ضربها المخاض فتكون أيامها عشرا, فترى النقاء قبل ذلك فتغتسل ثم ترى الدم من يومها؟ قال: هذا أقل من يوم, ليس عليها شيء فعلى هذا لا تثبت لها أحكام الطاهرات حتى ترى الطهر يوما كاملا ووجه ذلك أن الدم يجري تارة وينقطع أخرى فلا يخرج عن حكم النفاس بمجرد انقطاعه لأن ذلك يفضي إلى أن لا تسقط الصلاة عنها في نفاسها, إذ ما من وقت صلاة إلا يوجد فيه طهر يجب عليها الصلاة به وهذا يخالف النص والإجماع وإذا لم يعتبر مجرد انقطاع الدم فلا بد من ضابط للانقطاع المعدود طهرا واليوم يصلح أن يكون ضابطا لذلك, فتعلق الحكم به.
فصل: وإن ولدت ولم تر دما فهي طاهر لا نفاس لها لأن النفاس هو الدم ولم يوجد, وفي وجوب الغسل عليها وجهان: أحدهما لا يجب لأن الوجوب من الشرع وإنما ورد الشرع بإيجابه على النفساء, وليست هذه نفساء ولا في معناها لأن النفساء قد خرج منها دم يقتضي خروجه وجوب الغسل ولم يوجد ذلك فيمن لم يخرج منها والثاني, يجب لأن الولادة مظنة للنفاس فتعلق الإيجاب بها كتعلقه بالتقاء الختانين, وإن لم يوجد الإنزال.
فصل: وإذا طهرت لدون الأربعين اغتسلت وصلت وصامت ويستحب أن لا يقربها زوجها قبل الأربعين قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها, على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال لا تقربيني ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء, فيكون واطئا في نفاس وهذا على سبيل الاستحباب فإنا حكمنا لها بأحكام الطاهرات ولهذا يلزمها أن تغتسل وتصلي, وتصوم وإن عاد دمها في مدة الأربعين ففيه روايتان إحداهما أنه من نفاسها تدع له الصوم والصلاة نقل عنه أحمد بن القاسم أنه قال: فإن عاودها الدم قبل الأربعين, أمسكت عن الصلاة والصوم فإن طهرت أيضا اغتسلت وصلت وصامت وهذا قول عطاء والشعبي لأنه دم في زمن النفاس, فكان نفاسا كالأول وكما لو اتصل والثانية أنه مشكوك فيه, تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم احتياطا وهذه الرواية المشهورة عنه نقلها الأثرم, وغيره ولا يأتيها زوجها وإنما ألزمها فعل العبادات في هذا الدم لأن سببها متيقن وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه, فلا يزول اليقين بالشك وأمرها بالقضاء احتياطا لأن وجوب الصلاة والصوم متيقن وسقوط الصوم بفعله في هذا الدم مشكوك فيه, فلا يزول بالشك والفرق بين هذا الدم وبين الزائد على الست والسبع في حق الناسية حيث لا يجب قضاء ما صامته فيه مع الشك أن الغالب مع عادات النساء ست أو سبع, وما زاد عليه نادر بخلاف النفاس ولأن الحيض يتكرر فيشق إيجاب القضاء فيه والنفاس بخلافه, وكذلك الدم الزائد عن العادة في الحيض وقال مالك: إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وإن تباعد ما بينهما, فهو حيض ولأصحاب الشافعي وجهان فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر يوما: أحدهما يكون حيضا والثاني, يكون نفاسا وقال القاضي إن رأت الدم أقل من يوم وليلة بعد طهر خمسة عشر يوما فهو دم فساد تصلي وتصوم ولا تقضي وهذا قول أبي ثور وإن كان الدم الثاني يوما وليلة فالحكم فيه كما قلناه, من أنها تصوم وتصلي وتقضي الصوم ولنا أنه دم صادف زمن النفاس فكان نفاسا, كما لو استمر ولا فرق بين قليله وكثيره لما ذكرناه من جعله حيضا فإنما خالف في العبارة, فإن حكم الحيض والنفاس واحد وأما ما صامته في زمن الطهر فلا إعادة عليها فيه.
فصل: إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان ، فهو نفاس . نص عليه وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة ، فليس بنفاس . وإن كان الملقى بضعة لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان ، ففيها وجهان : أحدهما ، هو نفاس ؛ لأنه بدء خلق آدمي ، فكان نفاسا ، كما لو تبين فيها خلق آدمي . والثاني ، ليس بنفاس ؛ لأنه لم يتبين فيها خلق آدمي ، فأشبهت النطفة . إذا ولدت المرأة توأمين, فذكر أصحابنا عن أحمد روايتين فيها: إحداهما أن النفاس من الأول كله أوله وآخره, قالوا: وهي الصحيحة وهذا قول مالك وأبي حنيفة فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاسا لأن ما بعد ولادة الأول دم بعد الولادة, فكان نفاسا كالمنفرد وآخره منه لأن أوله منه, فكان آخره منه كالمنفرد واختلف أصحابنا في الرواية الثانية فقال الشريف أبو جعفر, وأبو الخطاب في " رءوس المسائل " هي أن أوله من الأول وآخره من الثاني وهذا قول القاضي في كتاب " الروايتين " لأن الثاني ولد فلا تنتهي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد فعلى هذا تزيد مدة النفاس على الأربعين في حق من ولدت توأمين وقال القاضي أبو الحسين في " مسائله ", وأبو الخطاب في " الهداية ": الرواية الثانية أنه من الثاني فقط وهذا قول زفر لأن مدة النفاس مدة تتعلق بالولادة فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني كمدة العدة فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاسا ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه, كالأقوال الثلاثة وذكر القاضي أنه منهما رواية واحدة وإنما الخلاف في الدم الذي بين الولادتين, هل هو نفاس أم لا؟ وهذا ظاهره إنكار لرواية من روى أن آخر النفاس من الأول.
فصل: وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ويسقط عنها, لا نعلم في هذا خلافا وكذلك تحريم وطئها وحل مباشرتها والاستمتاع بما دون الفرج منها, والخلاف في الكفارة بوطئها وذلك لأن دم النفاس هو دم الحيض إنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل فإذا وضع الحمل, وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم خرج من الفرج فيثبت حكمه, كما لو خرج من الحائض ويفارق النفاس الحيض في أن العدة لا تحصل به لأنها تنقضي بوضع الحمل قبله ولا يدل على البلوغ لحصوله بالحمل قبله.
مسألة: قال: [ ومن كانت لها أيام فزادت على ما كانت تعرف لم تلتفت إلى الزيادة, إلا أن تراه ثلاث مرات فتعلم حينئذ أن حيضها قد انتقل فتصير إليه فتترك الأول وإن كانت صامت في هذه الثلاث مرارا أعادته, إذا كان صوما واجبا وإذا رأت الدم قبل أيامها التي كانت تعرف فلا تلتفت إليه, حتى يعاودها ثلاث مرات] وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض فرأت الدم في غير عادتها لم تعتد بما خرج من العادة حيضا, حتى يتكرر ثلاثا في إحدى الروايتين أو مرتين في الأخرى نقل حنبل عن أحمد في امرأة لها أيام معلومة, فتقدمت الحيضة قبل أيامها لم تلتفت إليها تصوم وتصلي, فإن عاودها في الثانية مثل ذلك فإنه دم حيض منتقل ونقل الفضل بن زياد: لا تنتقل إليه إلا في الثالثة, فلتمسك عن الصلاة والصوم وفي لفظ له قال: سألت أبا عبد الله عن المرأة أيام أقرائها معلومة فربما زاد في الأشهر الكثيرة على أيام أقرائها أتمسك عن الصلاة أو تصلي؟ قال: بل تصلي, ولا تلتفت إلى ما زاد على أقرائها إلا أن يكون دم حيض تنتقل إليه أو نحو هذا قلت: أفتصلي إلى أن يصيبها ثلاث مرارا ثم تدع الصلاة بعد ثلاث؟ قال: نعم, بعد ثلاث ففي هذه الرواية تصريح بأنها لا تعد الزيادة من حيضها إلا في المرة الرابعة وأنها تصلي وتصوم في المرات الثلاث وفي روايته الأولى يحتمل أنها تحتسبه من حيضها في المرة الثالثة لقوله: لا تنتقل إليه إلا في الثالثة ويحتمل أنه أراد بعد الثالثة, وفي رواية حنبل احتمالان أحدهما أنها تنتقل إليه في المرة الثانية وتحتسبه من حيضها والثاني, أنها لا تنتقل إليه إلا في الثالثة وأكثر الروايات عنه اعتبار التكرار ثلاثا فيما خرج عن العادة سواء رأت الدم قبل عادتها أو بعدها مع بقاء العادة أو انقطاع الدم فيها, أو في بعضها فإنها لا تجلس في غير أيامها حتى تتكرر مرتين أو ثلاثا فإذا تكرر علمنا أنه حيض منتقل, فتصير إليه أي تترك الصلاة والصوم فيه وتصير عادة لها, وتترك الأول أي العادة الأولى لأنها قد انتقلت عنها وصارت العادة أكثر منها أو غيرها ثم يجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في هذه المرات الثلاث التي أمرناها بالصيام فيها لأننا تبينا أنها صامته في حيض, والصوم في الحيض غير صحيح وأما الصلاة فليس عليها قضاؤها لأن الحائض لا تقضي الصلاة قال أبو عبد الله: ولا يعجبني أن يأتيها زوجها في الأيام التي تصلي فيها لأننا لا نأمن كونها حيضا وإنما تصلي وتصوم احتياطا للعبادة, وترك الوطء احتياطا أيضا فيجب كما تجب الصلاة وإن تجاوزت الزيادة أكثر الحيض فهي استحاضة, ولا تجلس غير أيام العادة بكل حال ومثال ذلك امرأة عادتها ثلاثة أيام في أول كل شهر فرأت خمسة في أول الشهر أو رأت يومين من آخر الشهر الذي قبله, والثلاثة المعتادة أو طهرت الثلاثة ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها, أو أقل قبلها أو بعدها أو طهرت اليوم الأول ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها, أو طهرت يومين ورأت يومين بعدهما أو أكثر منها أو رأت الدم يومين في آخر الشهر ويوما في أوله وما أشبه ذلك فإنها لا تجلس في جميع هذه الصور, ما عدا الأول من الشهر حتى تتكرر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) ولأن لها عادة فردت إليها, كالمستحاضة وقال أبو حنيفة: ما رأته قبل العادة ليس بحيض حتى يتكرر مرتين وما تراه بعدها فهو حيض وقال الشافعي: جميعه حيض, ما لم تتجاوز أكثر الحيض وهذا أقوى عندي لأن عائشة رضي الله عنها كانت تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ومعناه لا تعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم وتذهب الصفرة والكدرة, ولا يبقى شيء يخرج من المحل بحيث إذا دخلت فيه قطنة خرجت بيضاء ولو لم تعد الزيادة حيضا للزمها الغسل عند انقضاء العادة وإن كان الدم جاريا ولأن الشارع علق على الحيض أحكاما, ولم يحده فعلم أنه رد الناس فيه إلى عرفهم والعرف بين النساء أن المرأة متى رأت دما يصلح أن يكون حيضا, اعتقدته حيضا ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ولم يجز التواطؤ على كتمانه, مع دعاء الحاجة إليه ولذلك لما كان بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- معه في الخميلة فجاءها الدم, فانسلت من الخميلة فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ما لك؟ أنفست؟ " قالت: نعم فأمرها أن تأتزر ولم يسألها النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل وافق العادة أو جاء قبلها؟ ولا هي ذكرت ذلك ولا سألت عنه, وإنما استدلت على الحيضة بخروج الدم فأقرها عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع إنما علمت الحيضة برؤية الدم لا غير, ولم تذكر عادة ولا ذكرها لها النبي -صلى الله عليه وسلم- والظاهر أنه لم يأت في العادة لأن عائشة استكرهته واشتد عليها, وبكت حين رأته وقالت: وددت إني لم أكن حججت العام ولو كانت تعلم لها عادة تعلم مجيئه فيها وقد جاء فيها ما أنكرته, ولا صعب عليها ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب, لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته ولما وسعه تأخير بيانه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته, وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت فلم يكن ليغفل بيانه وما جاء عنه عليه السلام ذكر العادة, ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير وأما امرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم ينقطع عنها, فلم يذكر في حقها عادة أصلا ولأننا لو اعتبرنا التكرار فيما خرج عن العادة أدى إلى خلو نساء عن الحيض بالكلية مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض, وصلاحية أن يكون حيضا بيانه أن المرأة إذا رأت الدم في غير أيام عادتها وطهرت أيام عادتها لم تمسك عن الصلاة ثلاثة أشهر, فإذا انتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم نحيضها أيضا ثلاثة أشهر وكذلك أبدا فيفضي إلى إخلائها من الحيض بالكلية ولا سبيل إلى هذا, فعلى هذا القول تجلس ما تراه من الدم قبل عادتها وبعدها ما لم يزد على أكثر الحيض فإن زاد على أكثره علمنا أنه استحاضة, فرددناها إلى عادتها ويلزمها قضاء ما تركته من الصلاة والصيام فيما زاد على عادتها لأننا تبينا أنه ليس بحيض, وإنما هو استحاضة.
فصل: فإن كانت لها عادة فرأت الدم أكثر منها وجاوز أكثر الحيض, فهي مستحاضة وحيضها منه قدر العادة لا غير ولا تجلس بعد ذلك من الشهور المستقبلة إلا قدر العادة, ولا أعلم في هذا خلافا عند من اعتبر العادة فأما إن كانت عادتها ثلاثة من كل شهر فرأت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في الشهر الآخر, فإنها لا تجلس مما بعده من الشهور إلا ثلاثة ثلاثة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: تجلس خمسة من كل شهر وهذا مبني على أن العادة لا تثبت بمرة وإن رأت خمسة في شهرين فهل تنتقل عادتها إلى خمسة؟ يخرج على الروايتين فيما تثبت به العادة, وإن رأت الخمسة في ثلاثة أشهر ثم استحيضت انتقلت إليها, وجلست من كل شهر خمسة بغير خلاف بينهم.
مسألة: قال: [ ومن كانت لها أيام فرأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر, تغتسل وتصلي فإن عاودها الدم لم تلتفت إليه حتى تجيء أيامها] الكلام في هذه المسألة في فصلين: أحدهما, في الطهر بين الدمين والثاني في حكم الدم العائد بعده
فصل: أما الأول فإن المرأة متى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل, وتلزمها الصلاة والصيام سواء رأته في العادة أو بعد انقضائها, ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره لقول ابن عباس: أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل ويتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح إن شاء الله لأن الدم يجري مرة, وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي بقوله: فصل: الفصل الثاني: إذا عاودها الدم فلا يخلو إما أن يعاودها في العادة, أو بعدها فإن عاودها في العادة ففيه روايتان: إحداهما, أنه من حيضها لأنه صادف زمن العادة فأشبه ما لو لم ينقطع وهذا مذهب الثوري, وأصحاب الرأي والشافعي والثانية ليس بحيض, وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى ومذهب عطاء لأنه عاد بعد طهر صحيح, فأشبه ما لو عاد بعد العادة وعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم ما لو عاد بعد العادة على ما سنذكره فيما بعد -إن شاء الله تعالى- وقد روي عن أحمد -رحمه الله-: إذا كانت أيامها عشرا, فقعدت خمسا ثم رأت الطهر فإنها تصلي, فإذا كان اليوم التاسع أو الثامن فرأت الدم صلت وصامت, وتقضي الصوم وهذا على سبيل الاحتياط لوجود التردد في هذا الدم فأشبه دم النفساء العائد في مدة النفاس فإن رأته في العادة وتجاوز العادة, لم يخل من أن يعبر أكثر الحيض أو لا يعبر فإن عبر أكثر الحيض فليس بحيض لأن بعضه ليس بحيض, فيكون كله استحاضة لأنه متصل به فكان أقرب إليه فإلحاقه بالاستحاضة أقرب من إلحاقه بالحيض لانفصاله عنه, وإن انقطع لأكثره فما دون فمن قال: إن ما لم يعبر العادة ليس بحيض فهذا أولى أن لا يكون حيضا ومن قال: هو حيض ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه: أحدها, أن جميعه حيض بناء على الوجه الذي ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض والثاني, أن ما وافق العادة حيض لموافقته العادة وما زاد عليها ليس بحيض لخروجه عنها والثالث أن الجميع ليس بحيض لاختلاطه بما ليس بحيض فإن تكرر فهو حيض, على الروايتين جميعا فأما إن عاد بعد العادة لم يخل من حالين: أحدهما أن لا يمكن كونه حيضا والثاني أن يمكن ذلك فإن لم يمكن كونه حيضا لعبوره أكثر الحيض, وأنه ليس بينه وبين الدم أقل الطهر فهذا استحاضة كله سواء تكرر أو لم يتكرر لأنه لا يمكن جعل جميعه حيضا, فكان جميعه استحاضة لأن إلحاق بعضه ببعض أولى من إلحاقه بغيره والثاني أن يمكن جعله حيضا وذلك يتصور في حالين أحدهما, أن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة ويلفق أحدهما إلى الآخر, ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيض والصورة الثانية أن يكون بينهما أقل الطهر إما ثلاثة عشر يوما, أو خمسة عشر يوما ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده بأن يكون يوما وليلة فصاعدا فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين, وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده ومثال ذلك ما لو كانت عادتها عشرة من أول الشهر, فرأت خمسة منها دما وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دما, وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني إلى الأول وإن رأت الثاني ستة أو سبعة لم يمكن أن يكون حيضا لأن بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما وليس بينهما أقل الطهر وإن رأت يوما دما وثلاثة عشر طهرا, ثم رأت يوما دما وتكرر هذا كانا حيضتين وصار شهرها أربعة عشر يوما وكذلك إن رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا, ثم رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يومين دما وتكرر شهرها خمسة عشر يوما وإن كان الطهر بينهما أحد عشر يوما فما دون وتكرر, فهما حيضة واحدة لأنه ليس بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما ولا بينهما أقل الطهر وإن كان بينهما اثنا عشر يوما طهرا لم يمكن كونهما جميعا حيضا لأنه لا يمكن كونهما حيضة واحدة لزيادتهما بما بينهما من الطهر على أكثر الحيض, ولا يمكن جعلهما حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر فيكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر استحاضة وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل, إلا أنها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا فإن تكرر وأمكن جعله حيضا, فهو حيض وإلا فلا وكل موضع رأت الدم ولم تترك العبادة فيه ثم تبين أنه كان حيضا, فعليها قضاء الصوم المفروض فيه وكل موضع عدته حيضا وتركت فيه العبادة ثم تبين أنه طهر فعليها قضاء ما تركته من الواجبات فيه.
فصل: واختلف أصحابنا في مراد الخرقي, -رحمه الله- بقوله: " فإن عاودها الدم فلا تلتفت إليه فقال أبو الحسن التميمي والقاضي, وابن عقيل: أراد إذا عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض بدليل أنه منعها أن تلتفت إليه مطلقا, ولو أراد غير ذلك لقال: حتى يتكرر قال القاضي: ويحتمل أنه أراد إذا عاودها بعد العادة ولم يعبر فإنها لا تلتفت إليه قبل التكرار وقال أبو حفص العكبري: أراد معاودة الدم في كل حال سواء كان في العادة أو بعدها لأن لفظه مطلق فيتناول بإطلاقه الزمان كله وهذا أظهر إن شاء الله وما ذكروه من الترجيح معارض بمثله, وهو أن قولهم يحتاج إلى إضمار عبور أكثر الحيض وليس هذا أولى من إضمار التكرار فيتساويان, ويسلم الترجيح الذي ذكرناه.
فصل: في التلفيق ومعناه ضم الدم إلى الدم الذين بينهما طهر وقد ذكرنا أن الطهر في أثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوما طهرا ويوما دما ولم يجاوز أكثر الحيض, فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما من النقاء طهر على ما قررناه ولا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه مثل أن ترى يومين دما ويوما طهرا, أو يومين طهرا ويوما دما أو أقل أو أكثر فإن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز لمدة أكثر الحيض فإن كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفه طهرا, أو ساعة وساعة فقال أصحابنا: هو كالأيام يضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما طهر, إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض فإن لم يبلغ ذلك فهو دم فساد وفيه وجه آخر لا يكون الدم حيضا, إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول في النقاء بين الدمين أنه حيض وقد ذكرناه وذكرنا أيضا وجها لنا في أن النقاء متى كان أقل من يوم لم يكن طهرا فعلى هذا متى نقص النقاء عن يوم كان الدم وما بينه حيضا كله, فإن جاوز الدم أكثر الحيض بأن يكون بين طرفيه أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر يوما, فهي مستحاضة لا تخلو من أن تكون معتادة أو مميزة أو لا عادة لها ولا تمييز, أو يوجد في حقها الأمران فإن كانت معتادة مثل أن يكون حيضها خمسة أيام في أول كل شهر فهذه تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة, وتغتسل عند انقطاعه وما بعد ذلك مبني على الروايتين في الطهر في أثناء الحيضة هل يمنع ما بعده أن يكون حيضا أو لا؟ فإن قلنا يمنع, فحيضها اليوم الأول خاصة وما بعده استحاضة وإن قلنا لا يمنع فحيضها اليوم الأول, والثالث والخامس فيحصل لها من عادتها ثلاثة أيام والباقي استحاضة وفي وجه آخر أنه يلفق لها الخمسة من أيام الدم جميعها, فتجلس السابع والتاسع والصحيح الأول لأن هذين اليومين ليسا من عادتها فلا تجلسهما كغير الملفقة وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود من الأيام فكان حيضها وباقيه استحاضة وإن كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر, من أول دم تراه أو في شهرين ثم تنتقل بعد ذلك إلى ستة أيام أو سبعة وهل يلفق لها السبعة من خمسة عشر يوما, أو تجلس أربعة أيام من سبعة أيام؟ على وجهين كما قلنا فيمن عادتها سبعة أيام فإذا قلنا تجلس زمان الدم من سبعة, جلست الأول والثالث والخامس والسابع وإن أجلسناها ستة أيام سقط السابع وإن قلنا تلفق لها زادت التاسع والحادي عشر إن قلنا تجلس ستة وإن جلست سبعة زادت الثالث عشر وهكذا الحكم في الناسية وهذا أحد قولي الشافعي إلا أنه لا يلفق لها عدد أيامها في أحد الوجهين وقال القاضي, في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها: ما عبر الخمسة عشر استحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر حيض كلها إذا تكرر فإن كان يوما ويوما فلها ثمانية أيام حيض وسبعة طهر وإن كانت أنصافا فلها سبعة أيام ونصف حيض ومثلها طهر وهذا قول ابن بنت الشافعي لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده, فإنها فيما بعده في حكم الطاهرات نأمرها بالصلاة والصيام ولنا: أن الطهر لو ميز بعد الخامس عشر لميز قبله كتميز اللون, والحكم فيما إذا كان أنصافا أو مختلفا يوما دما وأياما طهرا أو أياما طهرا وأياما دما كالحكم في الأيام الصحاح المتساوية, إلا أنه إذا كان الجزء الذي ترى الدم فيه أولا أقل من أقل الحيض ففيه وجه أنه لا يكون حيضا حتى يسبقه دم متصل يصلح أن يكون حيضا وإن قلنا الطهر يمنع ما بعده من كونه حيضا قبل التكرار وجاء في العادة فإنها تضم إلى الأول ما تكمل به أقل الحيض فإذا كانت ترى الدم يوما ويوما, ضمت الثالث إلى الأول فكان حيضا في المرة الأولى والثانية ثم تنتقل إلى ما تكرر في المرة الثالثة أو الرابعة على اختلاف الوجهين, وإذا رأت أقل من أقل الحيض ثم طهرت ثلاثة عشر يوما ثم رأت دما مثل ذلك, وقلنا أقل الطهر ثلاثة عشر يوما فهو دم فساد لأنه لا يصلح أن يكون حيضة واحدة لفصل أقل الطهر بينهما ولا حيضتين لنقصان كل واحد منهما عن أقل الحيض, وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ضممنا الأول إلى الثاني فكانا حيضة واحدة, إذا بلغا بمجموعهما أقل الحيض وإن كان كل واحد من الدمين يبلغ أقل الحيض فهما حيضتان, إن قلنا: أقل الطهر ثلاثة عشر وإن قلنا أقله خمسة عشر ضممنا الثاني إلى الأول فكانا حيضا واحدا إذا لم يكن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما, فإن كان بين طرفيهما خمسة عشر يوما لم يكن جعلهما جميعا حيضا فيجعل أحدهما حيضا والآخر استحاضة وعلى هذا فقس.">فصل:ومعناه ضم الدم إلى الدم الذين بينهما طهر وقد ذكرنا أن الطهر في أثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوما طهرا ويوما دما ولم يجاوز أكثر الحيض, فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما من النقاء طهر على ما قررناه ولا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه مثل أن ترى يومين دما ويوما طهرا, أو يومين طهرا ويوما دما أو أقل أو أكثر فإن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز لمدة أكثر الحيض فإن كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفه طهرا, أو ساعة وساعة فقال أصحابنا: هو كالأيام يضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما طهر, إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض فإن لم يبلغ ذلك فهو دم فساد وفيه وجه آخر لا يكون الدم حيضا, إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول في النقاء بين الدمين أنه حيض وقد ذكرناه وذكرنا أيضا وجها لنا في أن النقاء متى كان أقل من يوم لم يكن طهرا فعلى هذا متى نقص النقاء عن يوم كان الدم وما بينه حيضا كله, فإن جاوز الدم أكثر الحيض بأن يكون بين طرفيه أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر يوما, فهي مستحاضة لا تخلو من أن تكون معتادة أو مميزة أو لا عادة لها ولا تمييز, أو يوجد في حقها الأمران فإن كانت معتادة مثل أن يكون حيضها خمسة أيام في أول كل شهر فهذه تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة, وتغتسل عند انقطاعه وما بعد ذلك مبني على الروايتين في الطهر في أثناء الحيضة هل يمنع ما بعده أن يكون حيضا أو لا؟ فإن قلنا يمنع, فحيضها اليوم الأول خاصة وما بعده استحاضة وإن قلنا لا يمنع فحيضها اليوم الأول, والثالث والخامس فيحصل لها من عادتها ثلاثة أيام والباقي استحاضة وفي وجه آخر أنه يلفق لها الخمسة من أيام الدم جميعها, فتجلس السابع والتاسع والصحيح الأول لأن هذين اليومين ليسا من عادتها فلا تجلسهما كغير الملفقة وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود من الأيام فكان حيضها وباقيه استحاضة وإن كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر, من أول دم تراه أو في شهرين ثم تنتقل بعد ذلك إلى ستة أيام أو سبعة وهل يلفق لها السبعة من خمسة عشر يوما, أو تجلس أربعة أيام من سبعة أيام؟ على وجهين كما قلنا فيمن عادتها سبعة أيام فإذا قلنا تجلس زمان الدم من سبعة, جلست الأول والثالث والخامس والسابع وإن أجلسناها ستة أيام سقط السابع وإن قلنا تلفق لها زادت التاسع والحادي عشر إن قلنا تجلس ستة وإن جلست سبعة زادت الثالث عشر وهكذا الحكم في الناسية وهذا أحد قولي الشافعي إلا أنه لا يلفق لها عدد أيامها في أحد الوجهين وقال القاضي, في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها: ما عبر الخمسة عشر استحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر حيض كلها إذا تكرر فإن كان يوما ويوما فلها ثمانية أيام حيض وسبعة طهر وإن كانت أنصافا فلها سبعة أيام ونصف حيض ومثلها طهر وهذا قول ابن بنت الشافعي لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده, فإنها فيما بعده في حكم الطاهرات نأمرها بالصلاة والصيام ولنا: أن الطهر لو ميز بعد الخامس عشر لميز قبله كتميز اللون, والحكم فيما إذا كان أنصافا أو مختلفا يوما دما وأياما طهرا أو أياما طهرا وأياما دما كالحكم في الأيام الصحاح المتساوية, إلا أنه إذا كان الجزء الذي ترى الدم فيه أولا أقل من أقل الحيض ففيه وجه أنه لا يكون حيضا حتى يسبقه دم متصل يصلح أن يكون حيضا وإن قلنا الطهر يمنع ما بعده من كونه حيضا قبل التكرار وجاء في العادة فإنها تضم إلى الأول ما تكمل به أقل الحيض فإذا كانت ترى الدم يوما ويوما, ضمت الثالث إلى الأول فكان حيضا في المرة الأولى والثانية ثم تنتقل إلى ما تكرر في المرة الثالثة أو الرابعة على اختلاف الوجهين, وإذا رأت أقل من أقل الحيض ثم طهرت ثلاثة عشر يوما ثم رأت دما مثل ذلك, وقلنا أقل الطهر ثلاثة عشر يوما فهو دم فساد لأنه لا يصلح أن يكون حيضة واحدة لفصل أقل الطهر بينهما ولا حيضتين لنقصان كل واحد منهما عن أقل الحيض, وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ضممنا الأول إلى الثاني فكانا حيضة واحدة, إذا بلغا بمجموعهما أقل الحيض وإن كان كل واحد من الدمين يبلغ أقل الحيض فهما حيضتان, إن قلنا: أقل الطهر ثلاثة عشر وإن قلنا أقله خمسة عشر ضممنا الثاني إلى الأول فكانا حيضا واحدا إذا لم يكن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما, فإن كان بين طرفيهما خمسة عشر يوما لم يكن جعلهما جميعا حيضا فيجعل أحدهما حيضا والآخر استحاضة وعلى هذا فقس.
مسألة: قال والحامل لا تحيض إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس مذهب أبي عبد الله -رحمه الله- أن الحامل لا تحيض, وما تراه من الدم فهو دم فساد وهو قول جمهور التابعين منهم: سعيد بن المسيب وعطاء والحسن, وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي, ومكحول وحماد والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة, وابن المنذر وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن عائشة رضي الله عنها والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي وقال مالك والشافعي والليث: ما تراه من الدم حيض إذا أمكن وروي ذلك عن الزهري وقتادة, وإسحاق لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) فجعل وجود الحيض علما على براءة الرحم, فدل ذلك على أنه لا يجتمع معه واحتج إمامنا بحديث سالم عن أبيه (أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) فجعل الحمل علما على عدم الحيض, كما جعل الطهر علما عليه ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم وقول عائشة يحمل على الحبلى التي قاربت الوضع, جمعا بين قوليها فإن الحامل إذا رأت الدم قريبا من ولادتها فهو نفاس تدع له الصلاة كذلك قال إسحاق: وقال الحسن: إذا رأت الدم على الولد أمسكت عن الصلاة وقال يعقوب بن بختان سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تعيد الصلاة؟ قال: لا وقال إبراهيم النخعي: إذا ضربها المخاض فرأت الدم قال: هو حيض وهذا قول أهل المدينة, والشافعي وقال عطاء: تصلي ولا تعده حيضا ولا نفاسا ولنا: أنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسا كالخارج بعده وإنما يعلم خروجه بسبب الولادة إذا كان قريبا منها ويعلم ذلك برؤية أماراتها من المخاض ونحوه في وقته: وأما إن رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك له العبادة لأن الظاهر أنه دم فساد فإن تبين كونه قريبا من الوضع, كوضعه بعده بيوم أو بيومين أعادت الصوم المفروض إن صامته فيه وإن رأته عند علامة على الوضع تركت العبادة فإن تبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادات الواجبة لأنها تركتها من غير حيض ولا نفاس.
مسألة: قال: وإذا رأت الدم ولها خمسون سنة فلا تدع الصوم ولا الصلاة, وتقضي الصوم احتياطا فإن رأته بعد الستين فقد زال الإشكال وتيقن أنه ليس بحيض, فتصوم وتصلي ولا تقضي اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- في هذه المسألة فالذي نقل الخرقي ها هنا أنها لا تيأس من الحيض يقينا إلى ستين سنة, وما تراه فيما بين الخمسين والستين مشكوك فيه لا تترك له الصلاة ولا الصوم لأن وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك, وتقضي الصوم المفروض احتياطا لأن وجوبه كان متيقنا وما صامته في زمن الدم مشكوك في صحته فلا يسقط به ما تيقن وجوبه وروي عنه ما يدل على أنها بعد الخمسين لا تحيض وكذلك قال إسحاق بن راهويه لا يكون حيضا بعد الخمسين, ويكون حكمها فيما تراه من الدم حكم المستحاضة لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض وروي عنها أنها قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد الخمسين وروي عنه أن نساء الأعاجم يئسن من المحيض في خمسين ونساء بني هاشم وغيرهم من العرب إلى ستين سنة وهو قول أهل المدينة لما روى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال: لا تلد لخمسين سنة إلا العربية, ولا تلد لستين إلا قرشية وقال: إن هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين إن عاودها مرتين أو ثلاثة فهو حيض وذلك لأن المرجع في هذا إلى الوجود وقد وجد حيض من نساء ثقات أخبرن به عن أنفسهن بعد الخمسين, فوجب اعتقاد كونه حيضا كما قبل الخمسين ولأن الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على وجه كانت تراه قبل ذلك فالوجود ها هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا, فوجب جعله حيضا وأما إيجاب الصلاة والصوم فيه فللاحتياط لوقوع الخلاف فيه, والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لأنهن لا يختلفن في سائر أحكام الحيض فكذلك في هذا وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه لأن وجود الحيض أمر حقيقي, المرجع فيه إلى الوجود والوجود لا علم لها به ثم قد وجد بخلاف ما قالته فإن موسى بن عبد الله بن حسن قد ولدته أمه بعد الخمسين ووجد الحيض فيما بعد الخمسين على وجهه, فلا يمكن إنكاره فإن قيل: هذا الدم ليس بحيض مع كونه على صفته, وفي وقته وعادته بغير نص فهذا تحكم لا يقبل فأما بعد الستين فقد زال الإشكال وتيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالا تنتهي فيه إلى الإياس لقول الله تعالى فصل: وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين لأن الصغيرة لا تحيض بدليل قول الله تعالى مسألة: قال: والمستحاضة إن اغتسلت لكل صلاة فهو أشد ما قيل فيها وإن توضأت لكل صلاة أجزأها اختلف أهل العلم في المستحاضة, فقال بعضهم: يجب عليها الغسل لكل صلاة روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة لأن عائشة روت (أن أم حبيبة استحيضت, فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرها أن تغتسل لكل صلاة) متفق عليه وروى أبو داود (أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالغسل عند كل صلاة) وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلا وروي ذلك عن عائشة, وعن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب فإنهم قالوا: تغتسل من ظهر إلى ظهر قال مالك: إني أحسب حديث ابن المسيب إنما هو: من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه يعني أن الطاء غير المعجمة أبدلت بالظاء المعجمة وقال بعضهم: تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل واحد, وتغتسل للصبح على ما في حديث حمنة وقد ذكرناه وكذلك أمر به سهلة بنت سهيل وبه قال عطاء والنخعي وأكثر أهل العلم, على أن الغسل عند انقضاء الحيض ثم عليها الوضوء لكل صلاة ويجزئها ذلك ويروى هذا عن عروة, وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال عكرمة وربيعة ومالك إنما عليها الغسل عند انقضاء حيضها وليس عليها للاستحاضة وضوء لأن ظاهر حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة, في حديث فاطمة بنت أبي حبيش الغسل فقط لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: " فاغتسلي وصلي " ولم يذكر الوضوء لكل صلاة ولنا: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي, وتوضئي لكل صلاة) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهذه زيادة يجب قبولها وفي حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المستحاضة (تدع الصلاة أيام أقرائها, ثم تغتسل وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة) ولأنه دم خارج من الفرج, فأوجب الوضوء كدم الحيض وهذا يدل على أن الغسل المأمور به في سائر الأحاديث مستحب غير واجب والغسل لكل صلاة أفضل لما فيه من الخروج من الخلاف, والأخذ بالثقة والاحتياط وهو أشد ما قيل ثم يليه في الفضل والمشقة الجمع بين كل صلاتين بغسل واحد, والاغتسال للصبح ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: (وهو أعجب الأمرين إلي) ثم يليه الغسل كل يوم مرة بعد الغسل عند انقضاء الحيض ثم تتوضأ لكل صلاة, وهو أقل الأمور ويجزئها والله أعلم.
فصل: وحكم طهارة المستحاضة حكم التيمم في أنها إذا توضأت في وقت الصلاة صلت بها الفريضة ثم قضت الفوائت, وتطوعت حتى يخرج الوقت نص على هذا أحمد وعلى قياس ذلك لها الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد وقال الشافعي: لا تجمع بين فرضين بطهارة واحدة ولا تقضي به فوائت ولا تجمع بين صلاتين كقوله في التيمم ويحتمله قول الخرقي لقوله: (لكل صلاة) وحجتهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (توضئي لكل صلاة) ولنا أنه قد روي في بعض ألفاظ حديث فاطمة: (توضئي لوقت كل صلاة) ولأنه وضوء يبيح النفل فيبيح الفرض, كوضوء غير المستحاضة وحديثهم محمول على الوقت كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (أينما أدركتك الصلاة فصل) أي وقتها, وحديث حمنة ظاهر في الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لأنه لم يأمرها بالوضوء بينهما وهو مما يخفى ويحتاج إلى بيانه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.
فصل: روي عن أحمد -رحمه الله- , أنه قال: لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفا.
|